عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان [٦٤٨ - ٧١٢ هـ]
عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان [٦٤٨ - ٧١٢ هـ]
پژوهشگر
د محمد محمد أمين
ناشر
مطبعة دار الكتب والوثائق القومية
محل انتشار
القاهرة
ژانرها
مقدمة
لسنا هنا بصدد الترجمة للمؤرخ بدر الدين العينى، أو التوسع فى الكلام عن حياته الخاصة والعامة، فقد ترجم له من المعاصرين ابن تغرى بردى، والسخاوى، والسيوطى، وابن العماد، وغيرهم، كما توجد له ترجمة مطولة فى مقدمة كتاب «السيف المهند فى سيرة الملك المؤيد»، وفى غيره عن الدراسات التى تناولت نشر بعض كتب العينى، أو نشر أجزاء من كتبه.
ورغم ذلك فقد رأينا إتماما للفائدة أن نورد فى هذه المقدمة ترجمة بدر الدين العينى التى كتبها أحد المعاصرين له، وهو ابن تغرى بردى فى كتابه «المنهل الصافى»، والتى لم تنشر بعد، وبخاصة أن ابن تغرى بردى أقدم من ترجم لبدر الدين العينى، وفيما يلى نص هذه الترجمة:
محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود، العلامة، فريد عصره، ووحيد دهره، عمدة المؤرخين، مقصد الطالبين، قاضى القضاة بدر الدين أبو محمد وأبو الثناء بن القاضى شهاب الدين بن القاضى شرف الدين، العينتابى الأصل والمولد والمنشأ، المصرى الدار والوفاة، الحنفى، قاضى قضاة الديار المصرية، وعالمها، ومؤرخها.
سألته عن مولده فكتب إلىّ بخطه - رحمة الله -: مولدى فى السادس
1 / 5
والعشرين (^١) من شهر رمضان سنة اثنتين وستين وسبعمائة، فى درب كيكن، انتهى.
قلت: ونشأ بعينتاب، وحفظ القرآن الكريم، تفقه على والده وغيره، وكان أبوه قاضى عينتاب وتوفى بها فى شهر رجب سنة أربع وثمانين وسبعمائة، ورحل ولده صاحب الترجمة «إلى حلب» وتفقه بها، وأخذ عن العلامة جمال الدين يوسف بن موسى الملطى الحنفى، وغيره، ثم قدم لزيارة بيت المقدس فلقى به العلامة علاء الدين أحمد بن محمد السيرامى الحنفى، شيخ المدرسة الظاهرية برقوق، وكان العلاء أيضا توجه لزيارة بيت المقدس، فاستقدمه معه إلى القاهرة فى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ونزّله فى جملة الصوفية بالمدرسة الظاهرية، ثم قرره خادما بها فى أول شهر رمضان منها، فباشر المذكور الخدامة حتى توفى العلامة علاء الدين السيرامى فى سنة تسعين وسبعمائة، وقد انتفع به صاحب الترجمة وأخذ عنه علوما كثيرة فى مدة ملازمته له، ولما مات العلاء السيرامى أخرجه الأمير جاركس الخليلى أمير آخور من الخدامة وأمر بنفيه، لما أنهوه عنه، حسدا من الفقهاء، حتى شفع فيه شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقينى، فأعفى من النفى، وأقام بالقاهرة (^٢) ملازما للإشتغال، وتردد للأكابر من الأمراء مثل الأمير جكم من عوض، والأمير قلمطاى الدوادار قبله، وتغرى بردى القردمى، وغيرهم، حتى توفى الملك الظاهر برقوق فى شوال سنة إحدى وثمانمائة، فولى بعد ذلك حسبة القاهرة فى يوم الإثنين مستهل ذى الحجة سنة
_________
(^١) «فى سابع عشر رمضان» فى التبر المسبوك ص ٣٧٥.
(^٢) «فتوجه إلى بلاده» فى التبر المسبوك، و«ثم بعد يسير توجه إلى بلاده ثم عاد» فى الضوء اللامع.
1 / 6
إحدى وثمانمائة عوضا عن الشيخ تقى الدين المقريزى، فلم تطل مدته، وصرف أيضا بالشيخ تقى الدين المقريزى فى سنة اثنتين وثمانمائة.
قلت: وولايته الحسبة بالقاهرة يطول الشرح فى ذكر ذلك لأنه وليها غير مرة آخرها فى سنة ست وأربعين وثمانمائة عوضا عن يار على الطويل الخراسانى، انتهى.
ثم ولى المذكور فى الدولة الناصرية عدة تداريس ووظائف دينية، واشتهر اسمه، وأفتى ودرس، وأكب على الإشغال والتصنيف إلى أن ولى فى الدولة المؤيدية شيخ نظر الأحباس، وصار من أعيان فقهاء الحنفية، وأرخ وكتب، وجمع وصنف، وبرع فى علوم كثيرة: كالفقه، واللغة، والنحو، والتصريف، والتاريخ، وشارك فى الحديث، وسمع الكثير فى مبدأ أمره، وقرأ بنفسه، وسمع التفسير والحديث والعربية.
فمن التفسير: تفسير الزمخشرى، وتفسير النسفى، وتفسير السمرقندى.
ومن الحديث: الكتب الستة، ومسند الإمام أحمد، وسنن البيهقى والدارقطنى، ومسند عيد بن حميد، والمعاجم الثلاثة للطبرانى، وغير ذلك.
ومن العربية: المفصل للزمخشرى والألفية لابن مالك فى النحو وغيرهما.
وتصدى للإقراء سنين، واستمر على ذلك إلى أن طلبسه الملك الأشرف برسباى، وأخلع عليه باستقراره قاضى قضاة الحنفية بالديار المصرية فى يوم الخميس سابع عشرين ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وثمانمائة، بعد عزل قاضى القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهنى، وخلع على التفهنى بمشيخة خانقاه شيخو بعد
1 / 7
موت شيخ الإسلام سراج الدين عمر قارئ الهداية، فباشر المذكور وظيفة القضاء بحرمة وافرة، وعظمة زائدة، لقربه من الملك، ولخصوصيته به، ولكونه ولى القضاء من غير سعى.
وكان ينادم الملك الأشرف، ويبيت عنده فى بعض الأحيان، وكان يعجب الأشرف قراءته فى التاريخ، كونه كان يقرأه باللغة العربية ثم يفسر ما قرأه باللغة التركية، وكان فصيحا فى اللغتين.
وكان الملك الأشرف يسأله عن دينه، وعما يحتاج إليه من العبادات وغيرها، وكان العينى يجيبه بالعبارة «التى» تقرب من فهمه، ويحسن له الأفعال الحسنة، حتى سمعت الأشرف فى بعض الأحيان يقول: لولا العنتابى ما كنا مسلمين، انتهى.
واستمو فى القضاء إلى أن صرف وأعيد التفهنى فى يوم الخميس سادس عشرين صفر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وفى اليوم المذكور أيضا صرف قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر بقاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى.
فلزم المذكور داره أياما يسيرة، وطلبه السلطان إلى عنده، وصار يقرأ له على عادته، ثم ولاه حسبة القاهرة فى يوم السبت رابع شهر ربيع الآخر من السنة، عوضا عن الأمير إينال الششمانى، وكان الششمانى ولى الحسبة إلى أن أعيد إلى القضاء فى سابع عشرين جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، عوضا عن التفهنى بحكم طول مرض موته.
باشر القضاء والحسبة والأحباس معا مدة طويلة، إلى أن صرف عن الحسبة بالأمير صلاح الدين بن حسن بن نصر الله، واستمر فى القضاء ونظر الأحباس
1 / 8
إلى أن توفى الملك الأشرف برسباى فى ذى الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف، وصار الأتابك جقمق العلائى مدبر مملكته، عزله جقمق المذكور عن القضاء بشيخ الإسلام سعد الدين سعد بن محمد الديرى فى يوم الإثنين ثالث عشر المحرم سنة اثنين وأربعين وثمانمائة، فلزم المذكور داره مكبا على الإشغال والتصنيف إلى أن ولاّه الملك الظاهر جقمق حسبة القاهرة مرتين، لم تطل مدته فيهما، الأولى عن الأمير تنم بن عبد الرزاق المؤيدى، والثانية عن يار على الطويل.
ثم ركدت ريحه، وضعف عن الحركة لكبر سنه، واستمر مقيما بداره إلى أن خرجت عنه الأحباس لعلاء الدين على بن محمد بن الزين، أحد نواب الحكم الشافعى وندماء الملك الظاهر جقمق، فى سنة ثلاث وخمسين، فعظم عليه ذلك لقلة موجوده، وصار يبيع من أملاكه وكتبه إلى أن توفى ليلة الثلاثاء رابع ذى الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وصلى عليه من الغد بالجامع الأزهر، ودفن بمدرسته بجوار داره، رحمة الله.
وكانت جنازته مشهودة، وكثر أسف الناس عليه.
وكان بارعا فى عدة علوم، مفندا، عالما بالفقه، والأصول، والنحو، والتصريف، واللغة، مشاركا فى غيرهم مشاركة حسنة، أعجوبة فى التاريخ، حلو المحاضرة، محفوظا عند الملوك - إلا الملك الظاهر جقمق -، كثير الإطلاع، واسع الباع فى المعقول والمنقول، لا يستنقض إلا متعرض، قلّ أن يذكر علم إلا ويشارك فيه مشاركة جيدة.
1 / 9
ومصنفاته كثيرة الفوائد، وأخذت عنه، واستفدت منه، ولى منه اجازة بجميع مروياته وتصانيفه.
وكان شيخا أسمو اللون، قصير، مسترسل اللحية، فصيحا باللغة التركية، لكلامه فى التاريخ وغيره طلاوة، وكان جيد الخط، سريع الكتابة، قيل أنه كتب كتاب القدورى فى الفقه فى ليلة واحدة فى مبادئ أمره، وكانت مسوداته مبيضات، وله نظم ونثر، ليسا بقدر علمه.
ومن مصنفاته: شرح البخارى فى مجلدات كثيرة نحو العشرين مجلد، وشرح الهداية فى الفقه، وشرح الكنز فى الفقه، وشرح مجمع البحرين فى الفقه أيضا، وشرح تحفة الملوك، وشرح الكلم الطيب لابن تيمية، وشرح قطعة من سنن أبى داود، وقطعة كبيرة من سيرة ابن هشام، وشرح العوامل المائة، وشرح الجار بردى، وكتاب فى المواعظ والرقائق فى ثمان مجلدات، ومعجم مشايخه فى مجلد، ومختصر فى الفتاوى الظهيرية، ومختصر المحيط، وشرح التسهيل لابن مالك مطولا ومختصرا، وشرح شواهد الألفية لابن مالك، وهو كتاب نفيس احتاج إليه صديقة وعدوه، وانتفع بهذا الكتاب غالب علماء عصره، وشرح معانى الآثار للطحاوى فى ثنتى عشر مجلدة، وكتاب طبقات الشعراء، وحواشى على شرح الألفية لابن مالك، وكتاب طبقات الحنفية، والتاريخ الكبير على السنين فى عشرين مجلدة، واختصره فى ثلاث مجلدات، والتاريخ الصغير فى ثلاث مجلدات، وعدة تواريخ أخر، وحواشى على شرح السيد عبد الله، وشرح الساوية فى العروض، واختصر تاريخ «دمشق الكبير لابن عساكر، وله مصنفات» أخر لم يحضرنى الآن ذكرها. وفى الجملة كان من العلماء الأعلام، رحمة الله تعالى.
1 / 10
المخطوط ومنهج التحقيق:
مخطوط «عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان» كتاب فى التاريخ العام، ذكر المؤلف فى مقدمته: «قد كنت جمعت فى حداثة سنى وعنفوان شبابى تاريخا من مبدأ الدنيا إلى سنة خمس وثمانمائة، حاويا لقصص الأنبياء ﵈، وما جرى فى أيامهم، وسيرة نبينا ﷺ، وما جرى بعده بين الخلفاء والملوك فى كل زمان، مع الإشارة إلى وفيات الأعيان، متوجا بذكر الملكوت العلوية، والملكوت السفلية، ثم بدا لى أن أنقحه بأحسن منه ترتيبا، وأوضح تركيبا، مع زيادات لطيفة، ونوادر شريفة، وضبط ما يقع فيه من المبهمات من أسامى الرجال والأمكنة المذكورات وترجمته بعقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان، وفصلته على فصول، تسهيلا للحصول، متوجا بمقدمة تنبئ عن أصل التاريخ، ومعناه، وعن سبب وضعه ومبناه.».
وقد قدم حوادث كل سنة على وفيات أعيانها، ورتب ما بعد الهجرة على السنين، وانتهى فيه إلى آخر سنة ٨٥٠ هـ.
وما وصل إلينا من هذا الكتاب بخط المؤلف أجزاء متناثرة فى مكتبات متعددة فى أنحاء العالم، كما وجدت نسخ أحرى غير كاملة كتبت فيما بعد، ومن أشهر ما وجد من هذا الكتاب نسخة ملفقة من ثلاث نسخ مخطوطة محفوظة بمكتبة ولى الدين باستانبول: النسخة الأولى منقولة عن خط المؤلف بخط محمد بن أحمد بن محمد ابن أحمد الأنصارى الخزرجى الإخميمى الحنفى، كتبها بالقاهرة فيما بين سنة ٨٩٣ هـ، وسنة ٨٩٨ هـ، والنسخة الثانية بخط الشيخ عبد الله بن عيسى بن إسماعيل العمرى الأزهرى المالكى كتبها سنة ٨٩١ هـ، والنسخة الثالثة بخط المؤلف.
1 / 11
وتقع هذه النسخة الملفقة فى ٢٣ جزءا فى ٦٩ مجلدا، وعن هذه النسخة صورة بدار الكتب المصرية تحت رقم ١٥٨٤ تاريخ، وعنها أيضا نسخة كتهت حديثا وتقع فى ٢٨ مجلدا تحت رقم ٨٢٠٣ م.
كما توجد بدار الكتب المصرية ست مجلدات من هذا الكتاب كتبت سنة ١٢٩٠ هـ تحت رقم ٧١ م.
كما توجد أجزاء من نسخ أخرى، بعضها بخط المؤلف فى مكتبة أحمد الثالث تحت رقم ٢٩١١، ومكتبة سليم أغا تحت رقم ٨٣٥، ومن هذه الأجزاء نسخة مصورة بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة.
كما يوجد جزء من مختصر عقد الجمان للمؤلف، وهو المعروف باسم «تاريخ البدر فى أوصاف أهل العصر»، محفوظ بمكتبة المتحف البريطانى بلندن تحت رقم. Add .٠٦٣٢٢
ولعل ضخامة الكتاب التى قد تصل فى بعض النسخ إلى ٦٩ مجلدا من الأمور التى جعلت أمر تحقيق الكتاب ونشره أمرا صعبا، ويكاد أن يكون بعيد المنال، ولذلك اقترحت على مركز تحقيق التراث بالهيئة المصرية العامة للكتاب أن يقسم الكتاب إلى عصور تاريخية، ويتم تحقيق ونشر كل عصر منها على حدة، وعلى يد أحد المتخصصين والمهتمين بهذا العصر، وبذلك يخرج هذا المخطوط إلى النور، ويصبح فى متناول الباحثين والدارسين للتاريخ الإسلامى والوسيط.
ورأيت أن أبدأ بعصر سلاطين المماليك، فهو أقرب لى من حيث التخصص الدقيق، وفى نظرى هو أهم أجزاء الكتاب، فكما رأينا من ترجمة ابن تغرى بردى
1 / 12
للمؤلف أنه عاش ومات فى عصر سلاطين المماليك، وكان شاهد عيان على عصره بحكم كونه مؤرخا، وبحكم الوظائف التى تقلدها، حتى أنه يمكن أن نطلق على العينى أنه المؤرخ الرسمى للدولة فى عصر السلطان برسباى.
ولم يكن العينى فيما نقله عن بدايات العصر المملوكى مجرد ناقل، ولكنه كان باحثا ومدققا وناقدا لما ينقله ويكتبه عن الآخرين، وذلك فى حدود ما تسمح به هذه المعانى فى عصر اعتبر التأليف هو جمع وتلخيص لما كتبه الآخرون.
ويكفى للتدليل على ذلك ما ورد بهذا الجزء - الذى نقدمه للقارئ اليوم - على سهيل المثال لا الحصر، مناقشة العينى لتاريخ سلطنة المعز أيبك وأنها كانت سنة ٦٥٠ هـ وليس سنة ٦٤٨ هـ كما ذكر المؤرخون الآخرون، وعلل العينى هذا اللبس بأن أيبك بويع بالسلطنة سنة ٦٤٨ هـ لمدة خمسة أيام فقط، ثم عزل عن السلطنة، وظل أتابكا (^١).
كذلك ربط العينى بين زواج أيبك من شجر الدر وسلطنته الثانية - نقلا عن بيبرس الدوادار - وأن ذلك كان سنة ٦٤٩ هـ، (^٢) مناقضا بذلك رواية المقريزى المتداولة بين المؤرخين المحدثين، والتى تردد القول بأن شجر الدر تزوجت من أيبك وتنازلت له عن السلطنة سنة ٦٤٨ هـ، إذ يقول المقريزى «وتزوج الأمير عز الدين أيبك بشجر الدر فى تاسع عشرى ربيع الآخر، وخلعت نفسها من مملكة مصر ونزلت له عن الملك (^٣)».
_________
(^١) انظر ما يلى ص ٣٦، ص ٦٧.
(^٢) انظر ما يلى ص ٥٣، ص ٥٤.
(^٣) السلوك ج ١ ص ٣٦٨.
1 / 13
ومثال ذلك أيضا ما ذكره العينى - فى هذا القسم - عن وفاة السلطان الملك غياث الدين كيخسرو - صاحب بلاد الروم - واستقلال أولاده بالسلطنة، فقال: «وقد خبط نفر من المؤرخين فى تاريخ وفيات هؤلاء وتاريخ ولاياتهم، منهم: بيبرس الدوادار، والصواب ما ذكرناه (^١)».
من هذه الأمثلة يتضح لنا أهمية ما كتبه العينى عن عصر سلاطين المماليك، حتى فى الأجزاء التى لم يعاصرها ونقلها عن غيره، فإنه نقل، ونقد ما نقله، ثم أدلى برأيه فى هذه الأقوال.
ويعتمد تحقيق الاجزاء الخاصة بعصر سلاطين المماليك على إتخاذ ما وجد من أجزاء بخط المؤلف أساسا للتحقيق والنشر مع مقابلتها على ما يوجد من نسخ أخرى، أما الأجزاء التى لم تصلنا بخط المؤلف، ومنها هذا القسم، فالاعتماد سيكون أساسا على أقدم النسخ، وفى جميع الأحوال ستجرى مقابلة النص على مصادره الأصلية التى نقل عنها العينى - إن وجدت -، وعلى المصادر الأساسية المعاصرة والتى تتناول نفس الأحداث.
ويعتمد نشر الجزء الأول (٦٤٨ - ٦٦٤ هـ)، وكذلك الجزء الثانى (٦٦٥ - ٦٨٨ هـ) من القسم الخاص بعصر سلاطين المماليك على النسخة التى كتبها محمد بن أحمد بن محمد الإخميمى بالقاهرة سنة ٨٩٥ هـ، وهما عبارة عن المجلدان الثالث والرابع (الورقة ٣١١ - ٧٢٧) من الجزء ١٨ من النسخة الملفقة،
_________
(^١) انظر ما يلى ص ١٤٧.
1 / 14
والمحفوظ صورتان بدار الكتب المصرية تحت رقم ١٥٨٤ تاريخ، فقد جاء بآخر هذا الجزء «وكان الفراغ من كتابة هذا الجزء فى ضحوة يوم الثلاثاء السابع من شهر جمادى الأولى عام خمس وتسعين وثمانمائة على يد أفقر عبيد الله وأحوجهم إلى عفوه ورحمته ومغفرته محمد بن أحمد بن محمد الإخميمى الأنصارى الحنفى بمنزله بباب الجوانية داخل باب النصر بالقاهرة المحروسه، حامدا لله، ومصليا على رسوله، ومسلما، ومحسبلا، ومهللا، ومحوقلا».
ويعتمد التحقيق على التعريف بالشخصيات والأعلام المشاركة فى الأحداث، والإشارة إلى مصادر ترجمتها، وشرح المصطلحات التاريخية، والألفاظ اللغوية، والتعريف بالأماكن … الخ وذلك فى شرح مختصر، وذلك عند ورودها لأول مرة.
وسيجرى - إن شاء الله - نشر الأجزاء الخاصة بعصر سلاطين المماليك فى أجزاء متتابعة بحيث يحتوى كل جزء على تحقيق ونشر أحداث وتراجم عدد من السنوات ستوضح على غلاف كل جزء، دون ارتباط بعصر سلطان معين، أو فترة متساوية من عدد السنين، ذلك أن المؤلف يلجأ أحيانا إلى التوسع، ويلجأ أحيانا إلى الاختصار، ولم يكن أمامنا سوى تقسيم الكتاب إلى أجزاء شبه متساوية من حيث الحجم، تضم عددا من السنوات تزيد أو تنقص تبعا لتوسع المؤلف أو إيجازه.
وسيزود كل جزء بفهارس تفصيلية تسهل الاستفادة من كل جزء على حدة.
وفى ختام هذه المقدمة لا يسعنى إلا أن أتقدم بالشكر إلى كل من الأستاذ محمد كامل شحاته، وكيل الوزارة، ورئيس قطاع دار الكتب والوثائق القومية،
1 / 15
والأستاذ على عبد المحسن زكى مدير عام مركز تحقيق التراث، لما قاما به من تذليل للصعوبات والمعوقات الإدارية، وتوفير هما للمصادر والمخطوطات والمصورات التى احتجت إليها عند تحقيق هذا الجزء.
كما أوجه الشكر إلى الباحثين - أعضاء لجنة التاريخ - بمركز تحقيق التراث الذين شاركوا فى مقابلة المخطوط على المصادر المعاصرة فى هذا الجزء، كما شاركوا فى إعداد كشافات الكتاب، ومراجعة تجارب المطبعة، وهم: السيدة/نجوى مصطفى كامل، والسيد/على صالح حافظ، والسيد/عوض عبد الحليم حسن، والسيدة/إلهام محمد خليل، كما أوجه الشكر إلى السيد/عبد المنعم عبد الفتاح الناسخ بمركز تحقيق التراث.
وبعد فالكمال لله وحده، ولا يسعنى إلا أن أذكر قوله تعالى: «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا»، وأدعوه ﷾ أن يوفقنا لإتمام هذا العمل، ولخدمة التراث الإسلامى.
والله ولى التوفيق.
مسقط فى ٢٩ ربيع الثانى ١٤٠٧ هـ
١ يناير ١٩٨٧ م
دكتور محمد محمد أمين
1 / 16
[٣١١]
فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الثامنة والأربعين بعد الستمائة (¬*)
استهلت هذه السنة، والخليفة هو: المستعصم بالله (^١).
وسلطان الديار المصرية: الملك المعظم تورانشاه (^٢) بن الملك الصالح نجم الدين، ولكنه ما أقام فى السلطنة إلا يسيرا، وقتل على ما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى.
وبقية أصحاب البلاد وملوك الأطراف على حالهم، غير صاحب اليمن (^٣)، فإنه قتل أيضا فى هذه السنة على ما نذكره إن شاء الله.
ذكر كسر الفرنج وأخذ ريد افرنس أسيرا:
قد ذكرنا فى السنة الماضية من القتال مع الفرنج (^٤)، وكانوا قد ضعفوا لأجل انقطاع المدد والميرة عنهم من دمياط، فإن المسلمين قطعوا الطريق الواصل إليهم [٣١٢] من دمياط، فلم يبق لهم صبر على المقام، فرحلوا ليلة الأربعاء
_________
(¬*) يوافق أولها الثلاثاء ٥ إبريل ١٢٥٠ م.
(^١) هو عبد الله بن منصور بن أحمد بن الحسن بن يوسف، أمير المؤمنين المستعصم بالله، قتل على يد التتار سنة ٦٥٦ هـ/ ١٢٥٨ م - انظر ترجمته فيما يلى وفيات سنة ٦٥٦ هـ.
(^٢) قتل فى نفس السنة - انظر ترجمته فيما يلى.
(^٣) هو عمر بن على بن رسول، الملك المنصور، انظر ترجمته فيما يلى.
(^٤) المقصود جيوش لويس التاسع قائد الحملة الصليبية السابعة.
1 / 17
لثلاث مضين من المحرم من هذه السنة متوجهين إلى دمياط، وركبت المسلمون أكتافهم، ولما أسفر صباح يوم الأربعاء خالطهم المسلمون، وبذلوا فيهم السيف، ولم يسلم منهم إلا قليل، وبلغت عدة الموتى من الفرنج ثلاثين ألفا، وإنحاز ريد افرنس (^١) ومن معه من الملوك والأمراء إلى تل هناك.
قال المؤيد (^٢): إلى بلد هناك، فطلبوا الأمان، فآمنهم الطواشى محسن الصالحى، ثم احتيط عليهم وأحضروا إلى المنصورة (^٣).
قال أبو شامة (^٤): وأسر ريد افرنس وأخوه (^٥)، وجماعة من خواصّه، كانوا اختفوا فى منية عبد الله من ناحية شرمساح (^٦)، فأخذوا [برقابهم (^٧)]، وقيدوا
_________
(^١) ريد افرنس: يقول المقريزى: لقب بلغة الفرنج معناه ملك افرنس، السلوك ج ١ ص ٣٣٣ والمقصود. Roi de France
(^٢) هو إسماعيل بن على بن محمد بن محمود عماد الدين، أبو الفدا الملك المؤيد، صاحب حماة المتوفى سنة ٧٣٢ هـ/ ١٣٣١ م، وصاحب كتاب المحتصر فى أخبار البشر الذى ينقل عنه العينى فى هذا الجزء.
(^٣) المختصر ج ٣ ص ١٨١.
(^٤) هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم، شهاب الدين، أبو القاسم، المتوفى سنة ٦٦٥ هـ / ١٢٦٨ م، وصاحب كتاب الروضتين فى أخبار الدولتين، وكتاب ذيل تاريخ أبى شامة، والكتاب الأخير هو الذى ينقل عنه العينى فى هذا الجزء.
(^٥) كان للويس التاسع فى حملته هذه ثلاثة أخوه هم: روبرت كونت أرتوا Count Of Artois Ropert . الذى قتل بالمنصورة، ألفونسو كونت بواتو Alphonse Of Poiton وشارل كونت أنجو، Charles of Anjou وقد أسر المسلمون الثانى والثالث، ثم أبقوا الثانى فى الأسر حتى تدفع الفدية - أنظر رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية ج ٣ ص ٤٤٣، ٤٥٣، ٤٦٠، ٤٦٦، ٤٧١.
(^٦) شرمساح - شارمساح: قرية كبيرة من القرى القديمة، على الضفة الشرقية لفرع دمياط، وهى حاليا تابعة لمركز فارسكور من أعمال محافظة دمياط. القاموس الجغرافى ق ٢ ج ١ ص ٢٤٣.
(^٧)
إضافة من ذيل تاريخ أبى شامة ص ١٨٤: وهى آخر الجملة التى نقلها العينى، والموجودة بالمطبوع من ذيل تاريخ أبى شامة.
1 / 18
ريد افرنس، وجعل فى الدار التى كان ينزلها كاتب الإنشاء فخر الدين [بن (^١)] لقمان، ووكل به الطواشى صبيح المعظمى.
وقال بيبرس (^٢): وكان للبحرية النجمية فى هذه الوقعة الحظ الأوفى، والقدح المعلى.
وفى المرآة (^٣): وفى أول ليلة من سنة ثمان وأربعين وستمائة كان المصاف بين الفرنج والمسلمين على المنصورة، بعد وصول الملك المعظم توران شاه إلى المخيم، ومسك الأفرنسيس وهو ريد افرنس (^٤)، وقتل من الفرنج مائة ألف، ووصل كتاب المعظم توران شاه، يعنى إلى دمشق، إلى نائبها جمال الدين ابن يغمور (^٥):
_________
(^١) [بن] إضافة من السلوك ج ١ ص ٣٥٦، وهو إبراهيم بن لقمان بن أحمد بن محمد، الوزير فخر الدين، المتوفى سنة ٦٩٣ هـ/ ١٢٩٣ م - المنهل ج ١ ص ١٣٦ رقم ٦٣.
(^٢) هو بيبرس بن عبد الله المنصورى الدوادار، المتوفى سنة ٧٢٥ هـ/ ١٣٢٤ م، وصاحب كتاب زبدة الفكرة فى تاريخ الهجرة، والذى ينقل عنه العينى فى هذا الجزء وسوف نقتصر على الإشارة إلى هذا الكتاب حيث توجد الأحداث فى المخطوط الذى بين أيدينا.
(^٣) هو كتاب مرآة الزمان فى تاريخ الأعيان، نشر منه الجزء الثامن فى قسمين - حيدر أباه ١٩٥٢، لمؤلفه يوسف بن قزأوغلى، شمس الدين أبو المظفر، المعروف بسبط ابن الجوزى، المتوفى سنة ٦٥٤ هـ/ ١٢٥٦ م - أنظر ترجمته بالمنهل الصافى.
(^٤) «بعد مجى الملك تورانشاه إلى الخبيث الأفرانسيس» فى مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ ص ٧٧٨.
(^٥) «إلى نائبها جمال الدين بن يغمور» ساقط من مرآة الزمان، وقد توفى جمال الدين بن يغمور سنة ٦٤٨ هـ/ ١٢٥٠ م - مرآة الزمان ج ٨ ص ٧٨٠.
1 / 19
الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن، ﴿(وَمَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ (^١)، ﴿(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللهِ، «يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» (^٢)، ﴿(وَأَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)﴾ (^٣)، ﴿(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها)﴾ (^٤)؛ نبشر المجلس السامى (^٥) الجمالى، بل نبشر الإسلام (^٦) كافة بما منّ الله به على المسلمين من الظفر بعدوّ الدين، فإنه كان قد استفحل أمره، واستحكم شره، ويئس (^٧) العباد من الأهل والأولاد، فنودوا:
﴿(وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ [إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ)﴾ (^٨) الآية (^٩)] ولما كان يوم الأربعاء مستهل السنة المباركة تمم الله على الإسلام بركتها، فتحنا الخزائن، وبذلنا الأموال، وفرقنا السلاح، وجمعنا العربان، والمطوعة، واجتمع خلق (^١٠) [عظيم (^١١)] لا يحصيهم إلا الله تعالى، وجاءوا (^١٢) من كل فج عميق، ومن كل (^١٣) مكان
_________
(^١) سورة آل عمران رقم ٣ جزء من الآية ١٢٦، أو سورة الأنفال رقم ٨ جزء من الآية رقم ١٠.
(^٢) سورة الروم رقم ٣٠ آية رقم ٤، ٥، وفيما بين «» ساقط من السلوك ج ١ ص ٣٥٦.
(^٣) سورة الضحى رقم ٩٣ آية رقم ١١.
(^٤) سورة إبراهيم رقم ١٤ آية رقم ٣٤.
(^٥) من ألقاب كبار الأمراء فى العصر الأيوبى - انظر الألقاب الإسلامية ص ٣١٦، ص ٤٥٥.
(^٦) «المسلمين» فى السلوك ج ١ ص ٣٥٧.
(^٧) «وأيس» فى الأصل، ومرآة الزمان والتصحيح من السلوك.
(^٨) سورة يوسف رقم ١٢ جزء من الآية رقم ٨٧.
(^٩) [] إضافة من مرآة الزمان ج ٨ ص ٧٧٨.
(^١٠) «وخلقا» فى السلوك.
(^١١) [عظيم] إضافة من مرآة الزمان ج ٨ ص ٧٧٨.
(^١٢) «فجاءوا» فى السلوك.
(^١٣) «من كل» ساقط من السلوك.
1 / 20
[بعيد (^١)] سحيق، «ولما رأى العدو ذلك أرسل يطلب الصلح على ما وقع عليه (^٢) الإتفاق بينهم وبين [٣١٣] الملك الكامل ﵀، فأبينا، «ولما كان فى الليل (^٣)»، تركوا خيامهم، وأثقالهم، وأموالهم (^٤)، وقصدوا دمياط هاربين، «فسرنا (^٥) فى آثارهم طالبين (^٦)»، وما زال السيف يعمل فى أدبارهم عامّة الليل، وقد (^٧) حل بهم الخزى والويل: فلما أصبحنا نهار الأربعاء قتلنا منهم ثلاثين ألفا، غير من ألقى نفسه فى اللجج، وأما الأسرى فحدّث عن البحر ولا حرج، والتجأ الفرنسيس إلى المنية (^٨)، وطلب الأمان فآمناه، وأخذناه، وأكرمناه، وتسلمنا دمياط (^٩) بعون الله ولطفه (^١٠).
وقال أبو شامة: وفى يوم الأربعاء سادس عشر المحرم وصل إلى دمشق غفارة (^١١) ملك افرنسيس المأسور، أرسلها السلطان المعظم إلى نائبه بدمشق الأمير
_________
(^١) [بعيد] إضافة من مرآة الزمان ج ٨ ص ٧٧٨.
(^٢) «عليه» ساقط من مرآة الزمان ج ٨ ص ٧٧٩.
(^٣) «» ساقط من السلوك، وبدلا منه «فلما كان ليلة الأربعاء».
(^٤) «وأموالهم وأثقالهم» فى نهاية الأرب والسلوك.
(^٥) «ونحن» فى نهاية الأرب.
(^٦) «» ساقط من السلوك.
(^٧) «قد» ساقط من السلوك.
(^٨) هى منية أبى عبد الله، وتعرف حاليا باسم «مبت الخولى عبد الله» وهى على الشاطئ الشرقى لفرع دمياط، وتتبع مركز فارسكور بمحافظة دمياط.
(^٩) «دمياط» ساقط من مرآة الزمان. ولم يتسلم المصريون دمياط إلا بعد قتل توران شاه - أنظر ما يلى.
(^١٠) «بعون الله وقوته، وجلاله وعظمته» فى مرآة الزمان ونهاية الأرب والسلوك.
(^١١) غفارة - غفائر: المعطف - محيط المحيط.
1 / 21
جمال الدين موسى بن يغمور، فلبسها، فرأيتها عليه، وهى أشكرلاط أحمر (^١)، تحته فروسنجاب، فيها بكلة (^٢) ذهب، فنظم صاحبنا الفاضل الزاهد نجم الدين محمد بن إسرائيل مقطعات ثلاثيا إرتجالا، كل قطعة بيتين فى مدح السلطان، والأمير. أحديها (^٣):
إن غفارة الفرنس التى … جاءت حباء لسيد الأمراء
كبياض القرطاس فى اللون لكن (^٤) … صبغتها سيوفنا بالدماء (^٥)
والثانية: مخاطبة للأمير:
يا واحد العصر الذى لم يزل … يحوز فى نيل المعالى المدا
لا زلت فى عز وفى رفعة … تلبس أسلاب ملوك العدا
والثالثة: كتبها الأمير مقدمة (^٦) كتاب إلى السلطان:
أسيد أملاك الزمان (^٧) … بأسرهم
تنجزت من نصر الإله وعوده
فلا زال مولانا يبيح حمى العدا … ويلبس أسلاب الملوك عبيده
ثم إن الملك المعظم توران شاه رحل إلى فارسكور ونصب بها برج خشب،
_________
(^١) أشكرلاط أحمر: نوع من القماش. معجم دوزى.
(^٢) بكلة: لفظ فارسى معناه مشبك.
(^٣) «أحدهما» فى الذيل على الروضتين ص ١٨٤.
(^٤) «كبياض القرطاس لونا» فى السلوك ج ١ ص ٣٥٨ ونهاية الأرب، «بياض» فى الذيل على الروضتين.
(^٥) «بدماء» فى الذيل على الروضتين.
(^٦) «مقدم» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.
(^٧) «الزمن» فى السلوك ج ٥ ص ٣٥٨.
1 / 22
وأرسل إلى ابن أبى علىّ (^١) نائب القاهرة بأمره بالقدوم عليه، واستناب بالقاهرة الأمير جمال الدين أقوش النجمى، وأعرض عن مماليك والده، وأهمل جانبهم، وهم الذين أبلوا فى غزو الفرنج بلاء حسنا، فوجدوا فى نفوسهم لما بلغهم عنه من التهديد والوعيد، فاجتمعوا على إعدامه؛ وتعجيل حمامه.
ذكر قتل الملك المعظم توران شاه:
والكلام فيه على أنواع:
الأول فى ترجمته:
وهو السلطان الملك المعظم [٣١٤] تورانشاه بن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن السلطان الملك الكامل محمد بن السلطان الملك العادل أبى بكر بن الأمير نجم الدين أيوب، كان أبوه ولاه حصن كيفا فى الشرق، ثم كان يستدعيه فلا يجيبه، فلذلك كان يكرهه، ولأجل خفة فيه أيضا وخلاعة وهوج، فلذلك لم يوص إليه بالملك؛ مع أنه لم يخلف ولدا غيره، لأن ولده الواحد مات بدمشق، وولده المغيث توفى معتقلا بها كما ذكرناه (^٢)، وولده خليل المولود من شجر الدرّ، لم يلبث إلا قليلا ومات طفلا (^٣).
قال السبط: وحكى لى الأمير حسام الدين بن أبى علىّ قال: كنا نقول للملك الصالح أيوب: ما ترسل إلى ولدك توران شاه وتحضره إلى ها هنا. فيقول:
دعونا من هذا، فلحينا عليه يوما فقال: أجيبه إلى ها هنا أقتله (^٤).
_________
(^١) هو الحسن بن محمد، الأمير حسام الدين الهذبانى، توفى سنة ٦٥٨ هـ/ ١٢٦٠ م - شذرات الذهب ج ١ ص ٢٩٦.
(^٢) انظر أحداث سنة ٦٤٢ هـ.
(^٣) السلوك ج ١ ص ٣٤٢.
(^٤) انظر النجوم الزاهرة ج ٦ ص ٣٢٨، فوات الوفيات ج ١ ص ٢٦٣.
1 / 23
الثانى: فى سبب قتله:
وكان قتله لأمور بدت منه، فنفرت عنه القلوب، فاتفقوا على قتله.
منها: أنه كان فيه خفة.
قال السبط: بلغنى أنه لما دخل كان يجلس على السماط، فإذا سمع فقيها يذكر مسألة وهو بعيد منه، يصيح هو: لا نسلم. ومنها: أنه احتجب عن الناس أكثر من أبيه، وما ألفوا من أبيه ذلك، وكذا سمع مماليك أبيه منه، ما ألفوا من أبيه ذلك. ومنها: أنه كان إذا سكر يجمع الشموع ويضرب رءوسها بالسيف فيقطعها ويقول: كذا أفعل بالبحرية.
ومنها: أنه كان يسمى مماليك أبيه بأسمائهم.
ومنها: أنه قدّم الأرذال والأندال، وأبعد الأماثل والأكابر.
ومنها: أنه أهان مماليك أبيه الكبار.
ومنها: أنه كان قد وعد أقطاى (^١) بأن يؤمره، ولم يف له؛ فاستوحش منه.
ومنها: أنه كان يهدّد أم خليل (^٢)، ويطلب المال والجواهر، فخافت منه، وارتفقت معهم.
الثالث: فى كيفية قتله:
قال السبط: لما كان يوم الإثنين السابع والعشرين (^٣) من المحرّم جلس المعظم
_________
(^١) هو أقطاى بن عبد الله الجمدار النجمى الصالحى، المتوفى سنة ٦٥٢ هـ/ ١٢٥٤ م - المنهل ج ٢ ص ٥٠٢ رقم ٥٠٥.
(^٢) هى شجر الدر، قتلت سنة ٦٥٥ هـ/ ١٢٥٧ م - انظر المنهل، وانظر ما يلى.
(^٣) «فلما كان يوم الإثنين - سادس أو سابع عشرين المحرم» نهاية الأرب و«سادس عشرى» فى السلوك ج ١ ص ٣٥٩.
1 / 24